حكامة القضاء الأسري بين راهنية تعديل مدونة الأسرة والتحديات المستقبلية

   اضيف يوم: الثلاثاء 28 فبراير  2023


بقلم الأستاذ مصطفى البوداني 


مقدمة : 

لئن كانت مدونة الأسرة بخاصة محل عناية ملكية سامية واهتمام شرعي، فإن الحاجة لجعل هذا الإطار التشريعي ملائما للتحولات ومواكبا للتطورات التي يعرفها الواقع تفرض نفسها بإلحاح عبر تعديل أو نسخ أو تتميم ما يمكن تعديله أو نسخه أو تتميمه، وذلك لعدة اعتبارات اجتماعية اقتصادية ثقافية نفسية قضائية وحقوقية بما ينسجم مع المرجعية الإسلامية ومجال حقوق الإنسان، وهو ما أكده صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيد في العديد من خطاباته السامية كان أخرها خطاب 30 يوليوز 2022 بمناسبة عيد العرش المجيد، حيث حث جلالته على :' تجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة ومراجعة بعض البنود، التي تم الانحراف بها عن أهدافها، إذا اقتضى الحال'، انتهى النطق المولوي السامي.

وهو ما استشعرته المحكمة الابتدائية بوزان وبادرت إلى عقد ندوة علمية رفيعة المستوى من حيث تنظيما والمناقشة يوم 20 أكتوبر 2022 بمقرها ضمت في تركيبيتها العديد من المهتمين من أسرتي العدالة والجامعة لمناقشة والوقوف على ما يعتري هذه المدونة من ثغرات ونقائص وقصور، للمساهمة بنصيبها في النقاش العمومي من خلال تبادل الآراء واستحضار المواقف والخروج بتوصيات وحلول بخصوص السبل الكفيلة للمساهمة في تغييرها، لأجل الحفاظ على التماسك الأسري والارتقاء ببلادنا إلى المكانة المرموقة الحقوقية التي يتطلع إليها، وتحقيق الإنصاف وتكريس التضامن بين مختلف مكونات الأسرة المغربية.

إن هذه الندوة ما هي إلا مناسبة سانحة لإثارة انتباه الفاعلين العمومين بأهمية وجدوى مؤسسة الأسرة عامة ومدونة الأسرة على الأخص ببلادنا، وكذا لاستحضار المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتق المسؤولين في التعاطي مع مثل هكذا قضايا، لا سيما وأن توجيهات جلالته السديدة ما لبثت تولي عناية فائقة لهذه المؤسسة العتيدة، زد على ذلك أن الإصلاحات التي جاء بها دستور 2011 لا سيما الفصل 32 عمل على دسترة هذه المؤسسة.

وعليه؛ وحتى تبلغ مدونة الأسرة المقاصد المقصودة والغايات المتوخاة فإن ذلك رهين بوجد قضاء أسري ناجع، لأن بعث الروح في النص القانوني متوقف على تدخل دور القضاء، فالمقررات الصادرة عنه في المادة الأسرية تقتضي منه التقيد بالنص القانوني متى وجد وإلا الرجوع إلا أحكام الفقه المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف، وهو جهد يتطلب زمنا لا باليسير. ومن أجل الوقوف على ما تم بذله في سبيل تطبيق مدونة الأسرة التي عمرت زهاء عقدين من الزمن، من إيجابية رامت حماية حقوق الأسرة (الرجل والمرأة والأطفال)، غير أن تشخيص وضعها ينم عن جملة من الاختلالات التي أضحت محل نقد، وأصبحت اليوم غير كافية لمواجهة التحديات المستقبلية واستكمال مسيرتها بدليل إن النصوص الحالية قد لا تخدم مؤسسة الزواج على النحو الذي ارتضاه جلالة الملك.

ومن بين التحديات الآنية والمستقبلية التي تواجهها مدونة الأسرة الحالية ارتفاع نسبة الطلاق وانفصام علاقات الزواج مما ينعكس سلبا على الأولاد عند وجودهم، الأمر الذي يفرغ هذه المدونة من فحواها وغايتها.


لمتابعة قراءة الموضوع أو تحميله المرجو الضغط على الرابط أسفله